فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{فجرت} بالتخفيف: ابن شنبوذ عن أهل مكة.
{فعدلك} مخففاً: يزيد وحمزة وعلى وخلف وعاصم غير المفضل.
{ركبك كلا} مدغماً: أبو عمرو وقتيبة عنه.
{يكذبون} على الغيبة: يزيد.
{يوم لا} بالرفع: ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب. الآخرون: بالفتح.

.الوقوف:

{انفطرت} o ك {انتثرت} o ك {فجرت} o ك {بعثرت} o ك {وأخرت} o ط {الكريم} o لا {فعدلك} o ط بناء على أن الظرف بعده متعلق بـ: {ركبك} ومن خفف {فعدلك} لم يقف بناء على أنه جعل (في) بمعنى (إلى) أي فعدلك إلى أي صورة ما شاء {ركبك} o ط بناء على أن {كلا} توكيد لتحقيق بل ومن جعله ردعاً عن الاعتراف لم يقف {بالدين} o ج لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف والوصل أجوز إلا من قرأ {يكذبون} على الغيبة فإنه يقف مطلقاً للعدول {لحافظين} o لا {كاتبين} o ك {تفعلون} o {نعيم} o ج {جحيم} o ج لاحتمال أن ما بعده مستأنف أو صفة جحيم {بغائبين} o ط لابتداء النفي أو الاستفهام {الدين} o {يوم الدين} o لا لمن قرأ {يوم} بالنصب أي ذلك في يوم ومن رفعه على أنه بدل من {يوم الدين} فلا وقف.
{شيئاً} ط {لله} o ط. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِذَا السَّمَاءُ انفطرت (1)}
اعلم أن المراد أنه إذا وقعت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة، فهناك يحصل الحشر والنشر، وفي تفسير هذه الآيات مقامات الأول: في تفسير كل واحد من هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة وهي هاهنا أربعة، اثنان منها تتعلق بالعلويات، واثنان آخران تتعلق بالسفليات الأول: قوله: {إِذَا السماء انفطرت} أي انشقت وهو كقوله: {وَيوم تَشَقَّقُ السماء بالغمام} [الفرقان: 25]، {إِذَا السماء انشقت} [الانشقاق: 1]، {فَإِذَا انشقت السماء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} [الرحمن: 37]، {وَفُتِحَتِ السماء فَكَانَتْ أبوابا} [النبأ: 19] و{السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18] قال الخليل: ولم يأت هذا على الفعل، بل هو كقولهم: مرضع وحائض، ولو كان على الفعل لكان منفطرة كما قال: {إِذَا السماء انفطرت} أما الثاني وهو قوله: {وَإِذَا الكواكب انتثرت} فالمعنى ظاهر لأن عند انتقاض تركيب السماء لابد من انتثار الكواكب على الأرض.
واعلم أنا ذكرنا في بعض السورة المتقدمة أن الفلاسفة ينكرون إمكان الخرق والالتئام على الأفلاك، ودليلنا على إمكان ذلك أن الأجسام متماثلة في كونها أجساماً، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر، إنما قلنا: إنها متماثلة لأنه يصح تقسيمها إلى السماوية والأرضية ومورد التقسيم مشترك بين القسمين، فالعلويات والسفليات مشتركة في أنها أجسام، وإنما قلنا: إنه متى كان كذلك وجب أن يصح على العلويات ما يصح على السفليات، لأن المتماثلات حكمها واحد فمتى يصح حكم على واحد منها، وجب أن يصح على الباقي، وأما الإثنان السفليان: فأحدهما: قوله: {وَإِذَا البحار فجرت}. وفيه وجوه:
أحدهما: أنه ينفذ بعض البحار في البعض بارتفاع الحاجز الذي جعله الله برزخاً، وحينئذ يصير الكل بحراً واحدًّا، وإنما يرتفع ذلك الحاجز لتزلزل الأرض وتصدعها.
وثانيها: أن مياه البحار الآن راكدة مجتمعة، فإذا فجرت تفرقت وذهب ماؤها.
وثالثها: قال الحسن: فجرت أي يبست.
واعلم أن على الوجوه الثلاثة، فالمراد أنه تتغير البحار عن صورتها الأصلية وصفتها، وهو كما ذكر أنه تغير الأرض عن صفتها في قوله: {يوم تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} [ابراهيم: 48] وتغير الجبال عن صفتها في قوله: {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} [طه: 106 105].
ورابعها: قرأ بعضهم: {فجرت} بالتخفيف.
وقرأ مجاهد: {فجرت} على البناء للفاعل والتخفيف، بمعنى بغت لزوال البرزخ نظراً إلى قوله: {لاَّ يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] لأن البغي والفجور أخوان.
وأما الثاني: فقوله: {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} فاعلم أن بعثر وبحثر بمعنى واحد، ومركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما، والمعنى أثيرت وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها، ثم هاهنا وجهان:
أحدهما: أن القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء، كما قال تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقالهَا} [الزلزلة: 2].
والثاني: أنها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك لأن من أشراط الساعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها، ثم يكون بعد ذلك خروج الموتى، والأول أقرب، لأن دلالة القبور على الأول أتم.
المقام الثاني: في فائدة هذا الترتيب، واعلم أن المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم وفناء الدنيا، وانقطاع التكاليف، والسماء كالسقف، والأرض كالبناء، ومن أراد تخريب دار، فإنه يبدأ أولاً بتخريب السقف، وذلك هو قوله: {إِذَا السماء انفطرت} ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب، وذلك هو قوله: {وَإِذَا الكواكب انتثرت} ثم إنه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض وهو قوله: {وَإِذَا البحار فجرت} ثم إنه تعالى يخرب آخر الأمر الأرض التي هي البناء، وذلك هو قوله: {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} فإنه إشارة إلى قلب الأرض ظهراً لبطن، وبطناً لظهر.
المقام الثالث: في تفسير قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأخرت}.
وفيه احتمالان الأول: أن المراد بهذه الأمور ذكر يوم القيامة، ثم فيه وجوه أحدها: وهو الأصح أن المقصود منه الزجر عن المعصية، والترغيب في الطاعة، أي يعلم كل أحد في هذا اليوم ما قدم، فلم يقصر فيه وما أخر فقصر فيه، لأن قوله: {مَّا قَدَّمَتْ} يقتضي فعلاً و{مَا أخرت} يقتضي تركاً، فهذا الكلام يقتضي فعلاً وتركاً وتقصيراً وتوفيراً، فإن كان قدم الكبائر وأخر العمل الصالح فمأواه النار، وإن كان قدم العمل الصالح وأخر الكبائر فمأواه الجن.
وثانيها: ما قدمت من عمل أدخله في الوجود وما أخرت من سنة يستن بها من بعده من خير أو ش.
وثالثها: قال الضحاك: ما قدمت من الفرائض وما أخرت أي ما ضيع.
ورابعها: قال أبو مسلم: ما قدمت من الأعمال في أول عمرها وما أخرت في آخر عمرها.
فإن قيل: وفي أي موقف من مواقف القيامة يحصل هذا العلم؟
قلنا: أما العلم الإجمالي فيحصل في أول زمان الحشر، لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر.
وأما العلم التفصيل، فإنما يحصل عند قراءة الكتب والمحاسبة.
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد قيل: قيام القيامة بل عند ظهور أشراط الساعة وانقطاع التكاليف، وحين لا ينفع العمل بعد ذلك كما قال: {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إيمانها خَيْرًا} [الأنعام: 158] فيكون ما عمله الإنسان إلى تلك الغاية، هو أول أعماله وآخرها، لأنه لا عمل له بعد ذلك، وهذا القول ذكره القفال.
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)}
اعلم أنه سبحانه لما أخبر في الآية الأولى عن وقوع الحشر والنشر ذكر في هذه الآية ما يدل عقلاً على إمكانه أو على وقوعه، وذلك من وجهين الأول: أن الإله الكريم الذي لا يجوز من كرمه أن يقطع موائد نعمه عن المذنبين، كيف يجوز في كرمه أن لا ينتقم للمظلوم من الظالم؟ الثاني: أن القادر الذي خلق هذه البنية الإنسانية ثم سواها وعدلها، إما أن يقال: إنه خلقها لا لحكمة أو لحكمة، فإن خلقها لا لحكمة كان ذلك عبثاً، وهو غير جائز على الحكيم، وإن خلقها لحكمة، فتلك الحكمة، إما أن تكون عائدة إلى الله تعالى أو إلى العبد، والأول باطل لأنه سبحانه متعال عن الاستكمال والانتفاع.
فتعين الثاني، وهو أنه خلق الخلق لحكمة عائدة إلى العبد، وتلك الحكمة إما أن تظهر في الدنيا أو في دار سوى الدنيا.
والأول باطل لأن الدنيا دار بلاء وامتحان، لا دار الانتفاع والجزاء، ولما بطل كل ذلك ثبت أنه لابد بعد هذه الدار من دار أخرى، فثبت أن الاعتراف بوجود الإله الكريم الذي يقدر على الخلق والتسوية والتعديل يوجب على العاقل أن يقطع بأنه سبحانه يبعث الأموات ويحشرهم، وذلك يمنعهم من الاعتراف بعدم الحشر والنشر، وهذا الاستدلال هو الذي ذكر بعينه في سورة التين حيث قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] إلى أن قال: {فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين} [التين: 7] وهذه المحاجة تصلح مع العرب الذين كانوا مقرين بالصانع وينكرون الإعادة، وتصلح أيضاً مع من ينفي الإبتداء والإعادة معاً، لأن الخلق المعدل يدل على الصانع وبواسطته يدل على صحة القول بالحشر والنشر.
فإن قيل: بناء هذا الاستدلال على أنه تعالى حكيم، ولذلك قال في سورة التين بعد هذا الاستدلال: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} [التين: 8] فكان يجب أن يقول في هذه السورة: ما غرك بربك الحكيم الجواب: أن الكريم يجب أن يكون حكيماً، لأن إيصال النعمة إلى الغير لو لم يكن مبنيا علي داعية الحكمة لكان ذلك تبذيراً لا كرماً.
أما إذا كان مبنيا علي داعية الحكمة فحينئذ يسمى كرماً، إذا ثبت هذا فنقول: كونه كريماً يدل على وقوع الحشر من وجهين كما قررناه، أما كونه حكيماً فإنه يدل على وقوع الحشر من هذا الوجه الثاني، فكان ذكر الكريم هاهنا أولى من ذكر الحكيم، هذا هو تمام الكلام في كيفية النظم، ولنرجع إلى التفسير.
أما قوله: {يا أيها الإنسانُ} ففيه قولان:
أحدهما: أنه الكافر، لقوله من بعد ذلك: {كَلاَّ بَلْ تُكَذّبُونَ بالدين} [الانفطار: 9] وقال عطاء عن ابن عباس: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال الكلبي ومقاتل: نزلت في ابن الأسد بن كلدة بن أسيد وذلك أنه ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله تعالى، وأنزل هذه الآية والقول الثاني: أنه يتناول جميع العصاة وهو الأقرب، لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ.
أما قوله: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} فالمراد الذي خدعك وسول لك الباطل حتى تركت الواجبات وأتيت بالمحرمات، والمعنى ما الذي أمنك من عقابه، يقال: غره بفلان إذا أمنه المحذور من جهته مع أنه غير مأمون، وهو كقوله: {لا يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} [لقمان: 33] هذا إذا حملنا قوله: {يا أيها الإنسانُ} على جميع العصاة، وأما إذا حملناه على الكافر، فالمعنى ما الذي دعاك إلى الكفر والجحد بالرسل، وإنكار الحشر والنشر.
وهاهنا سؤالات:
الأول:
أن كونه كريماً يقتضي أن يغتر الإنسان بكرمه بدليل المعقول والمنقول، أما المعقول فهو أن الجود إفادة ما ينبغي لا لعوض، فلما كان الحق تعالى جواداً مطلقاً لم يكن مستعيضاً، ومتى كان كذلك استوى عنده طاعة المطيعين، وعصيان المذنبين، وهذا يوجب الاغترار لأنه من البعيد أن يقدم الغني على إيلام الضعيف من غير فائدة أصلاً، وأما المنقول فما روي عن علي عليه السلام، أنه دعا غلامه مرات فلم يجبه، فنظر فإذا هو بالباب، فقال له: لم لم تجبني؟ فقال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن جوابه، وأعتقه، وقالوا أيضاً: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه، ولما ثبت أن كرمه يقتضي الاغترار به، فكيف جعله هاهنا مانعاً من الاغترار به؟ والجواب: من وجوه أحدها: أن معنى الآية أنك لماكنت ترى حلم الله على خلقه ظننت أن ذلك لأنه لا حساب ولا دار إلا هذه الدار، فما الذي دعاك إلى هذا الاغترار، وجرأك على إنكار الحشر والنشر؟ فإن ربك كريم، فهو لكرمه لا يعاجل بالعقوبة بسطاً في مدة التوبة، وتأخيراً للجزاء إلى أن يجمع الناس في الدار التي جعلها لهم للجزاء، فالحاصل أن ترك المعاجلة بالعقوبة لأجل الكرم، وذلك لا يقتضي الاغترار بأنه لا دار بعد هذه الدا.
وثالثها: أن كرمه لما بلغ إلى حيث لا يمنع من العاصي موائد لطفه، فبأن ينتقم للمظلوم من الظالم، كان أولى فإذن كونه كريماً يقتضي الخوف الشديد من هذا الاعتبار، وترك الجراءة والاغترا.
وثالثها: أن كثرة الكرم توجب الجد والاجتهاد في الخدمة والاستحياء من الاغترار والتوان.
ورابعها: قال بعض الناس: إنما قال: {بِرَبّكَ الكريم} ليكون ذلك جواباً عن ذلك السؤال حتى يقول غرني كرمك، ولولا كرمك لما فعلت لأنك رأيت فسترت، وقدرت فأمهلت، وهذا الجواب إنما يصح إذا كان المراد من قوله: {يا أيها الإنسانُ} ليس الكافر.
السؤال الثاني:
ما الذي ذكره المفسرون في سبب هذا الاغترار؟
قلنا: وجوه:
أحدها: قال قتادة: سبب غرور ابن آدم تسويل الشيطان ل.
وثانيها: قال الحسن: غره حمقه وجهل.
وثالثها: قال مقاتل: غره عفو الله عنه حين لم يعاقبه في أول أمره، وقيل: للفضيل بن عياض إذا أقامك الله يوم القيامة، وقال لك: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} ماذا تقول؟ قال: أقول غرتني ستورك المرخاة.
السؤال الثالث:
ما معنى قراءة سعيد بن جبير {ما أغرك}؟
قلنا: هو إما على التعجب وإما على الاستفهام من قولك غر الرجل فهو غار إذا غفل، ومن قولك بيتهم العدو وهم غارون، وأغره غيره جعله غاراً، أما قوله تعالى: {الذي خَلَقَكَ} فاعلم أنه تعالى لما وصف نفسه بالكرم ذكر هذه الأمور الثلاثة كالدلالة على تحقق ذلك الكر.
أولها: الخلق وهو قوله: {الذي خَلَقَكَ} ولا شك أنه كرم وجود لأن الوجود خير من العدم، والحياة خير من الموت، وهو الذي قال: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم} [البقرة: 28]، وثانيها: قوله: {فَسَوَّاكَ} أي جعلك سوياً سالم الأعضاء تسمع وتبصر، ونظيره قوله: {أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} [الكهف: 37] قال ذو النون: سواك أي سخر لك المكونات أجمع، وما جعلك مسخراً لشيء منها، ثم أنطق لسانك بالذكر، وقلبك بالعقل، وروحك بالمعرفة، وسرك بالإيمان، وشرفك بالأمر والنهي وفضك على كثير ممن خلق تفضيلا.
وثالثها: قوله: {فعدلك}.
وفيه بحثان:
البحث الأول: قال مقاتل: يريد عدل خلقك في العينين والأذنين واليدين والرجلين فلم يجعل إحدى اليدين أطول ولا إحدى العينين أوسع، وهو كقوله: {بلى قادرين على أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4] وتقريره ما عرف في علم التشريح أنه سبحانه ركب جانبي هذه الجثة على التسوي حتى أنه لا تفاوت بين نصفيه لا في العظام ولا في أشكالها ولا في ثقبها ولا في الأوردة والشرايين والأعصاب النافذة فيها والخارجة منها، واستقصاء القول فيه لا يليق بهذا العلم، وقال عطاء عن ابن عباس: جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة لا كالبهيمة المنحنية، وقال أبو على الفارسي: عدل خلقك فأخرجك في أحسن التقويم، وبسبب ذلك الاعتدال جعلك مستعداً لقبول العقل والقدرة والفكر، وصيرك بسبب ذلك مستوليا علي جميع الحيوان والنبات، وواصلاً بالكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم.
البحث الثاني: قرأ الكوفيون {فعدلك} بالتخفيف، وفيه وجوه أحدها: قال أبو على الفارسي: أن يكون المعنى عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدل.
والثاني: قال الفراء: {فعدلك} أي فصرفك إلى أي صورة شاء، ثم قال: والتشديد أحسن الوجهين لأنك تقول: عدلتك إلى كذا كما تقول صرفتك إلى كذا، ولا يحسن عدلتك فيه ولا صرفتك فيه، ففي القراءة الأولى جعل في من قوله: {في أي صُورَةٍ} صلة للتركيب، وهو حسن، وفي القراءة الثانية جعله صلة لقوله: {فعدلك} وهو ضعيف، واعلم أن اعتراض القراء إنما يتوجه على هذا الوجه الثاني، فأما على الوجه الأول الذي ذكره أبو على الفارسي فغير متوجه والثالث: نقل القفال عن بعضهم أنهما لغتان بمعنى واحد، أما قوله: {في أي صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} ففيه مباحث الأول: ما هل هي مزيدة أم لا؟ فيه قولان: الأول: أنها ليست مزيدة، بل هي في معنى الشرط والجزاء فيكون المعنى في أي صورة ما شاء أن يركبك فيها ركبك، وبناء على هذا الوجه، قال أبو صالح ومقاتل: المعنى إن شاء ركبك في غير صورة الإنسان من صورة كلب أو صورة حمار أو خنزير أو قرد والقول الثاني: أنها صلة مؤكدة والمعنى في أي صورة تقتضيها مشيئته وحكمته من الصور المختلفة، فإنه سبحانه يركبك على مثلها، وعلى هذا القول تحتمل الآية وجوهاً أحدها: أن المراد من الصور المختلفة شبه الأب والأم، أو أقارب الأب أو أقارب الأم، ويكون المعنى أنه سبحانه يركبك على مثل صور هؤلاء ويدل على صحة هذا ما روى أنه عليه السلام قال في هذا الآية:
«إذا استقرت النطفة في الرحم، أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم».
والثاني: وهو الذي ذكره الفراء والزجاج أن المراد من الصور المختلفة الاختلاف بحسب الطول والقصر والحسن والقبح والذكورة والأنوثة، ودلالة هذه الحالة على الصانع القادر في غاية الظهور، لأن النطفة جسم متشابه الأجزاء وتأثير طبع الأبوين فيه على السوية، فالفاعل المؤثر بالطبيعة في القابل المتشابه لا يفعل إلا فعلاً واحدًّا، فلما اختلفت الآثار والصفات دل ذلك الاختلاف على أن المدبر هو القادر المختار، قال القفال: اختلاف الخلق والألوان كاختلاف الأحوال في الغنى والفقر والصحة والسقم، فكما أنا نقطع أنه سبحانه إنما ميز البعض عن البعض في الغنى والفقر، وطول العمر وقصره، بحكمة بالغة لا يحيط بكنهها إلا هو، فكذلك نعلم أنه إنما جعل البعض مخالفاً للبعض، في الخلق والألوان بحكمة بالغة، وذلك لأن بسبب هذا الاختلاف يتميز المحسن عن المسيء والقريب عن الأجنبي، ثم قال: ونحن نشهد شهادة لا شك فيها أنه سبحانه لم يفرق بين المناظر والهيئات إلا لما علم من صلاح عباده فيه وإن كنا جاهلين بعين الصلاح القول الثالث: قال الواسطي: المراد صورة المطيعين والعصاة فليس من ركبه على صورة الولاية كمن ركبه على صورة العداوة، قال آخرون: إنه إشارة إلى صفاء الأرواج وظلمتها، وقال الحسن: منهم من صوره ليستخلصه لنفسه، ومنهم من صوره ليشغله بغيره مثال الأول: أنه خلق آدم ليخصه بألطاف بره وإعلاء قدره وأظهر روحه من بين جماله وجلاله، وتوجه بتاج الكرامة وزينه برداء الجلال والهيبة. اهـ.